[color=#000066]زمان
كانت الأغاني الوطنية ذات طابع حماسي، ربما بسبب الظروف التي كانت تعيشها
مصر آنذاك من تحديات أو استعمار أو حتى حروبومنذ
ولدنا -ورغم أننا جيل السلام كما يقال عنا حيث ولدنا بعد انتهاء الحروب
وإحلال السلام- رددنا مع "عبد الحليم حافظ" "أحلف بسماها وبترابها"، و"عدى
النهار" و"بالأحضان" و"صورة"، وحتى "عبد الوهاب" الذي لم أكن أطيقه في
العديد من الأغاني –ربما لأن ذوقي وحش عشان ماحدش يطلع فيّ–
وجدتني أحب أغنياته الوطنية مثل "حي على الفلاح" و"دقت ساعة العمل الثوري"
وغيرها
وحتى
يا أخي الأغنيات الحديثة نسبياً التي تميز فترة الثمانينيات سواء "مصر هي
أمي.. نيلها هو دمي" لـ"عفاف راضي" (والتي رددها "شوبير" بعد فوز مصر
بإحدى مباريات كأس أمم إفريقيا عام 9:| أو دويتو "محمد ثروت" و"هاني شاكر"
الشهير (بلدي) اللي كانوا مصورينه في النيل و(مصريتنا مصريتنا وطنيتنا
حماها الله..الله الله) بتاعة "محمد ثروت" لما ربنا كرمه ودخل الحربية
ورفع العلم (في الأغنية طبعاً)..كلها
أغنيات مقبولة تآلفنا معها بشكل أو بآخر، وأعجبنا بأضلاعها الثلاثة..
المطرب اللي كان دايماً صوته جميل لأن لو صوته وحش الأغنية لا هتبقى وطنية
ولا يحزنون والناس هتهريها تريقة، والتصوير اللي كان ممكن يبقى متوسط بس
مقبول من الناس على اعتبار إن مافيش مثلاً دش يشوفوا من خلاله أغنيات أخرى
في هذه الفترة، والضلع الثالث والأهم من وجهة نظري هو الكلمات..
[size=16][color=#0000ff]كنت
تلاقي يا محترم "عبد الرحمن الأبنودي" يكتب و"عبد الرحيم منصور" يكتب
وعمنا "سيد حجاب" يكتب والفاجومي "أحمد فؤاد نجم" يكتب.. يعني ناس عتاولة
تحس بوطنيتهم ووعيهم للي هم بيعملوه. 
ولا
تنسَ أيضاً إدراكهم للظرف التاريخي الذين يكتبون من خلاله وحساسيتهم لأي
كلمة يكتبونها في الأغنية. يعني مثلاً أكيد سيادتك تفتكر الأغنية الشهيرة
(ما تقولش إيه ادتنا مصر.. وقول هندي إيه لمصر.. يااااا حبايب مصر).. كلام
حلو وجميل ومناسب لفترة قل فيها الانتماء وكانت مصر داخلة على مرحلة جديدة
بعد الحرب وكان فيه انفتاح وسرقة والناس كانت زهقانة من البلد، فكانت
الأغنية بمثابة دش بارد يفوقهم، وفي الثمانينيات كان عندنا أغنية لا أعرف
لماذا لم تعد تذاع وهي الأغنية التي أعدت بعد عودة طابا كأرض مصرية
(طابا.. هييه.. لينا.. هييه.. رجعت سالمة لينا.. هييييييييييه).. وبالطبع
لا ننسى الأغنية المشهورة "أنا م البلد دي" والتي كف التليفزيون المصري
نفسه عن إذاعتها ربما لأن البلد لم يعد فيها الآن ما يستحق الفخر أو هكذا
هيأ لي خيالي المريض .
أنت
طبعاً تتذكر كل ذلك، وتتذكر أوبريتات أعياد الطفولة وأغنية "محمد ثروت"
الشهيرة "كل بلاد الدنيا جميلة لكن أجمل من بلدي لا.. لا لا لا لا لا لا
لا لا لا لااااااااااا" والتي ربما يكون سبب عدم إذاعتها حالياً ارتفاع
نبرة المعارضة فيها بصورة فجة (شوف فيها كام "لا" تجعل من إذاعتها حالياً
نذيراً خطيراً بتحويلها لنشيد وطني حركة كفاية!!).ثم
فجأة (أان أان آاااااااان) تحولت الأغاني الوطنية في فترة أواخر
الثمانينيات والتسعينيات من أغاني تمدح الوطن إلى أغاني معدة خصيصاً لرئيس
هذا الوطن؛ حيث تشدو بعظمته وتواضعه الجم وتدعوه لإعطاء مصر المزيد من
الحرية (ادي ادي ادي.. اديها كمان حرية) والتي صاحبها مبررات قوية من قبل
الكاتب حيث إن (أول طلعة جوية.. فتحت باب الحرية) لمين يا ولاد.. على طول
يرد (للأرض وللأحباب.. للأمة العربية.. ادي ادي ادي ادي..اديها كمان
حرية).. أصبحت احتفالات أكتوبر السنوية مناسبة مهمة لتقديم الدعم لقيادة
هذا الوطن بالأغاني والفن الجميل دون رياء أو انتظار لمكافأة (لا هيديني
ولا يرقيني ولا فيه مصلحه بينه وبيني) كما أن الرئيس "مبارك" –حفظه
الله- (بيحل المشكلة بالراحة) على رأي "صفاء أبو السعود"، وهو أيضاً (روحه
سمحة.. أدب ومصالحة.. صافي القلب يا كفر مصيلحة) ليصبح كفر مصيلحة أول كفر
يذكر صراحة في الأغاني المصرية على مستوى القرى والنجوع، ولا ننسى طبعاً
أنه (مش متكبر ولا متجبر.. هادي وأطيب خلق الله) والدليل على ذلك أنه (وف
لقاءاته ببلدياته بينسى معاهم رسمياته) مما يجعلهم كأنهم (قاعدين ع
المصطبة وياااه) ومن أجل كل ما سلف ذكره دعونا نؤكد (علشان كده احنا
اختارنااااااه).
أوبريت جميل ..
بجد مش هزار والله..والرئيس
كان مبسوط جداً يومها وخصوصاً وقت أن ذكرت "لطيفة" كفر مصيلحة حيث مال
سيادته على من كان بجانبه وقال له: "عرفتها ازاي دي؟" في مشهد ظهر على
شاشات التليفزيون أمام الجميع وأوضح الجانب الإنساني في رئيس هذا البلد.ساعتها أنت معد سلفاً لتصديق أي شيء لأنه على عينك يا تاجر والرجل كانت ردود أفعاله فطرية جداً واستشعر من الكلام خفة دم لا تنكر.
لمرة الثانية أؤكد: المطربين كانوا جامدين..
الألحان -للعبقري "عمار الشريعي"- كانت جامدة طحن.
الكلمات -أعتقد أنها كانت للراحل "عبد السلام أمين"- كانت عبقرية مهما اختلف البعض معها.
يعني
أغاني وطنية ورئاسية جميلة، وعلى فكرة عشان ماحدش يتكلم في نفاق أو أشياء
من هذه القبيل.. "أم كلثوم" كانت بتغني لـ"عبد الناصر" والأغاني التي قيلت
لـ"جمال عبد الناصر" لا يمكن حصرها، صحيح أنه لم يذكر فيها اسم بلده لكن
هذه ميزة نسبية تحسب لـ"عبد السلام أمين" الله يرحمه الذي ذكر كفر مصيلحة
تحديداً، بعد أن ذكرت "شادية" من قبل المحافظات والمناطق (يا اللي من
البحيرة ويا اللي من آخر الصعيد.. يا اللي من السويس الحرة أو من بورسعيد).
[size=16][color=#0000ff]صحيح
أن (اخترناه) شابها بعض الأخطاء التاريخية المفزعة لكن آهي ماشية وشغالة..
واللي هيسألني إيه الأخطاء أقول له أول الأغنية بيقول (اخترناه اخترناه..
يوم ما عبر وقلوبنا معاه) يعني صباح نفاذ البصيرة بتاعة الشعب المصري..
الراجل عبر فاحنا اخترناه بينما كان الرئيس "السادات" حي يرزق.. وربما
اختاره "السادات" بعد أن اخترناه احنا... هذا هو تفسيري للأمر.ثم فجأة برضه (أان أان آاااان برضه) أخذت الأغاني الوطنية إجازة واختفت لأسباب مجهولة، ثم عادت من جديد بدون لون أو طعم أو رائحة..
عادت وهي ينقصها أهم ضلع مضافاً عليها ضلع جديد أثر فيها بشدة.
لم
تعد الكلمات معبرة أو صادقة بقدر ما أصبحت تبعث على السخرية والاستلقاء
على القفا من كثرة الضحك، كما أن تصوير هذه الأغنيات أصبح يشعرك أنها في
بلد غير البلد، ليصبح التعليق الأول الذي تقوله بعد مشاهدتك للأغنية
(الله.. هي دي بلدنا فعلاً؟)
والإجابة للأسف هي لأ طبعاً..
مصر
مش الشوارع النضيفة المغسولة والناس المستحميين اللي بيجيبوهم في الأغاني
على قد ما مصر الناس الغلبانة التعبانة الشقيانه اللي الزمن معلم على
وشوشهم والمرض هاددهم.
مصر
مش الموديلز الحلوين اللي بيطلعوا يتنططوا وهم بيقولوا "يبقى إنت أكيد
أكيد في مصر" وأصلاً أصلا مفيش اتنين أصحاب واحد منهم اسمه "جرجس" والتاني
اسمه عم "نصر" وأقطع دراعي لو حد يعرفهم، وبعدين "لما تلاقي الجد في إيده
حفيده والناحية التانية السبحة ف إيده فيبقى إنت أكيد أكيد في مصر" طب
بأمارة إيه، وبعدين الجد ف إيده حفيده أمال الأب فين، والأهم من كل ده إذا
افترضنا إن واحد جد في لبنان وف إيده حفيده في لبنان برضه، والناحية
التانية -يا سبحان الله- السبحة ف إيده، أقوم أقول له لبنان مين يا عم..
إنت بيتهيألك على فكرة.. إنت أكيد أكيد في مصر. والراجل مهما يحلف أقول له
آسف.. هي الأغنية كده.. جد ف إيده حفيده والسبحة ف إيده تبقى مصر على طول
مش أي حتة تانية.الموضوع على فكرة لم يقف عند هذا الحد، بل دخل فيها عرب والموضوع كبر قوي.
تيجي
"نانسي عجرم" وتسأل سؤال في منتهى الصعوبة "لو سألتك إنت مصري تقول لي
إيه؟" لتقترح هي بنفسها رداً عبقرياً مالهوش حل.. "قل لي مصري ابن مصري
ابن مصر الله عليه" وكأنه كان هيرد عليها لما تسأله ويقول لها: لا والله
سعادتك أنا مش مصري.. أو أنا مصري وده قدر ربنا وربنا مابيجيبش حاجة وحشة
أبداً.وبعدين
تيجي "نانسي" توصيه وتقول له: "أنا مصري وأبويا مصري.. بسماري ولوني
مصري.. وكل مصري الله عليه".. طب على أي أساس يعني..على أساس إن المصريين
أحباب الله مثلاً. ثم يعني إيه أنا مصري وأبويا مصري.. هو المفروض أكون
مصري وأبويا بنجلاديشي؟ وبعدين إيه العنصرية دي.. افرضي يا أختي أمه مصرية
وأبوه مش مصري.. مش القانون خلاص اتعدل وبقى ابن المصرية مصري تقومي إنت
تطنشي الأم خالص كده، والله لو سمعتك الدكتورة "نوال السعداوي" لقالت
عليكِ إنك صاحبة عقلية ذكورية (رغم بصراحة إن شكلك مافيهوش أي ذكورية خالص
واللي يقول غير كده أروح فيه في داهية).
يجب
أيضاً ألا ننسى أغنيات الفترة الأخيرة التي واكبت تعديل المادة 76
والانتخابات الرئاسية. طبعاً عندك "هيثم شاكر" اللي كان بيغني لمصر اللي
هي في الأغنية حتة عيلة صغيرة ماعرفش جابوها منين، لأ وإيه.. كان بيقول
لها بمنتهى الثقة: ارمي حمولك عليّ، وطبعاً كلنا عارفين يا دوب مصر رمت
حبة حمل مايجوش عشرة كيلو الراجل دخل السجن بعدها وطلع أصلاً هربان من
الجيش.أخيراً
وليس آخراً، والسبب الرئيسي بصراحة لكتابة" - هذا المقال هو أغنية "شيرين"
الأخيرة "ماشربتش من نيلها" التي تمثل بالنسبة لي قمة المأساة في الكلمات
اللي متقالة فيها.أولاً تشعر أساساً
إن دي مش أغنية حد بيغنيها على قد ما تحس إن حد ماسك عليك ذلة وبيعايرك..
"ما شربتش من نيلها".. وكأن الشرب من مية النيل سبب للوطنية.. تحس إنهم
بيعايروك بحاجة ربنا اللي مديهالك مش هم، بيعايروك بالنيل ويقول لك
"ماشربتش من نيلها"..طب
ما بتاع السودان عنده نيل، وإثيوبيا عندها المنابع يبقى الواحد هناك إيه
نظامه بالظبط، وبعدين بيقول لك: "ماشربتش من نيلها" .."طب جربت تغني
لها".. طب إيه العلاقة بين عدم الشرب والغنا مش عارف..طبعاً هتعرف على طول إنك لو ماشربتش من نيلها (اللي هو أصبح ملوث والمية فيه معكرة ليل نهار) فيبقى لازم تجرب تغني لها..السؤال
المهم بقى وخلي بالك معايا: لو أنا شربت من نيلها لازم أغني برضه ولا أعمل
إيه؟ يعني إيه الأوبشن عادتك؟ إيه بالظبط بصحيح، لأنها مش واضحة بصراحة في
الأغنيةطبعاً
خيالي المريض صور لي "شيرين" وهي لابسة ملاية لف وفارشاها لأي مواطن تسول
له نفسه سوء الظن بالبلد وعمالة تدي له: "ماشربتش من نيلها (يا وحش) طب
جربت تغنيلها (يا كخة) لكن الشاعر العبقري بعد قليل أصاب خيالي بالعقم
والعياذ بالله على رأي –"محمد رضا" في إعلان البلهارسيا بتاع
زمان– حين أكمل معايرتي: "مامشتش ف ضواحيها.. طيب ماكبرتش فيها"..
نعم يا كابتن.. بتعايرني كمان إني كبرت فيها.. يعني المفروض مثلاً ربنا
يوقف نموي عشان تستريح، وبعدين لو كبرت في حتة تانية يعني إيه المشكلة؟.
كل
ده كوم ولما بيقول "يمكن ناسي لأنك فيها.. مش واحشاك ولا غبت عليها.. بس
اللي مجرب وفارقها قال في الدنيا مافيش بعديها" وكأنك عشان تعرف قيمة بلدك
لازم تفارقها وتحل عن سماها فتقوم توحشك فتقول إن مافيش في الدنيا
بعديها.. دعوة للهجرة برة البلد.. الباشا بيقول لنا هاجروا يا أولاد عشان
تعرفوا قيمة بلدكم.. بجد حاجة عجيبة والله.
المهم
إن "شيرين" صوتها رائع رغم إني مابحبهاش شخصياً.. اللحن لـ"عمرو مصطفى"
ممتاز.. الإخراج لـ"أحمد المهدي" جميل.. هو آه من مدرسة الناس المستحميين
والشوارع النضيفة وطلع "شيرين" مرة بتصلي ومرة بتحط شمعة ف كنيسة لزوم
الوحدة الوطنية إنما مافيش مانع..
إنما الكلام.. لا حول ولا قوة إلا بالله..وعلى رأي "سمير غانم" في مسرحية "المتزوجون" وبنفس نبرته لو كنت تتذكرها..
يمهل ولا يهمل! 
الرئيسية 
نقاط التميز
