معنى الأمانة وأنواعها :
وهي ضد الخيانة ، والأمانة كلمة واسعة المفهوم ، يدخل فيها أنواع كثيرة ،
منها
:
1- الأمانة العظمى ، وهي الدين والتمسك به ،
قال
تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أبين
حملنها
وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا )( ). قال القرطبي في
تفسير
هذه الآية : الأمانة تعم جميع وظائف الدين ا هـ( ) .
وتبليغ هذا الدين أمانة أيضاً ، فالرسل أمناء الله على وحيه ، قال صلى
الله
عليه وسلم : " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ، يأتيني خبر السماء
صباحاً
ومساء )( ). وكذلك كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة، فهم أمناء في
تبليغ هذا
الدين . وكل ما يأتي من أنواع يمكن دخولها في هذا النوع .
2- كل ما أعطاك الله من نعمة فهي أمانة لديك
يجب
حفظها واستعمالها وفق ما أراد منك المؤتمن ، وهو الله جل وعلا ، فالبصر
أمانة ،
والسمع أمانة، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، واللسان أمانة ، والمال أمانة
أيضاً ، فلا ينفق إلا فيما يرضي الله .
3- العرض أمانة ، فيجب عليك أن تحفظ عرضك
ولا
تضيعه ، فتحفظ نفسك من الفاحشة ، وكذلك كل من تحت يدك ، وتحفظهم عن الوقوع
فيها
، قال أبي كعب رضي الله عنه : من الأمانة أن المرأة أؤتمنت على حفظ فرجها
4- الولد أمانة ، فحفظه أمانة ، ورعايته
أمانة ،
وتربيته أمانة .
5- العمل الذي توكل به أمانة ، وتضييعه
خيانة ،
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"
إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " ، قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال
: "
إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة )( ) وقال صلى الله عليه وسلم
لأبي
ذر لما سأله أن يوليه قال : ( ………. وإنها أمانة ……… )( )
6- السر أمانة ، وإفشاؤه خيانة ، ولو حصل
بينك
وبين صاحبك خصام فهذا لا يدفعك لإفشاء سره ، فإنه من لؤم الطباع ، ودناءة
النفوس ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي
أمانة
)( ) ومن أشد ذلك إفشاء السر بين الزوجين ، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي
الله عنه
ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أعظم الأمانة عند
الله يوم
القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها )( ).
7- الأمانة ، بمعنى الوديعة ، وهذه يجب
المحافظة
عليها ، ثم أداؤها كما كانت .
الأمر بحفظ الأمانة :
قد أمر الشارع بحفظ الأمانة وأدائها ، وذم الخيانة ، وحذر منها في نصوص
كثيرة
منها :
أ- قال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )( ) . ذكر
ابن
كثير( ) ـ رحمه الله ـ أنها عامة في جميع الأمانات الواجبة على الإنسان،
وهي
نوعان :
1- حقوق الله تعالى من صلاة وصيام وغيرهما .
2- حقوق العباد كالودائع وغيرها .
ب- وقال تعالى في صفات المؤمنين ( والذين هو لأماناتهم وعهدهم راعون)( ).
ج- وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا
أماناتكم
وأنتم تعلمون )( )
قال ابن كثير( ): والخيانة تعم الذنوب تعم الذنوب الصغار والكبار ، وعن
ابن
عباس في الأمانة قال : الأعمال التي أؤتمن عليها العباد .
د- وقال صلى الله عليه وسلم في الأمر بردها : " أد الأمانة إلى من ائتمنك
،
ولا تخن من خانك "( ).
ه- وقال صلى الله عليه وسلم في ذم الخيانة : ( آية المنافق ثلاث : إذا
حدث كذب
وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان )( ).
مما ورد في فضل الأمانة
قال صلى الله عليه وسلم : الخازن الأمين الذي ينفذ ـ وربما قال : يعطي ـ
ما أمر
به كاملاً موفراً طيباً به نفسه ، فيدفعه إلى الذي أمر له به ، أحد
المتصدقين
)( ).
الخيانة من الكبائر :
الخيانة من كبائر الذنوب ، قال الإمام الذهبي في كتاب الكبائر( ) :
والخيانة في
كل شيء قبيحة ، وبعضها شر من بعض ، وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك
ومالك
، وارتكب العظائم . اهـ وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا إيمان لمن لا
أمانة له
، ولا دين لمن لا عهد له )( ) .
من صور الأمانة :
1- قال صلى الله عليه وسلم وهو يحكي لأصحابه رضي الله عنهم : " اشترى رجل
من
رجل عقاراً له ، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب ، فقال له
الذي
اشترى العقار : خذ ذهبك مني ، إنما اشتريت منك الأرض ، ولم ابتع منك الذهب
،
فقال الذي شرى الأرض ( أي : الذي باعها ) : إنما بعتك الأرض وما فيها ،
قال :
فتحاكما إلى رجل ، فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد ؟ فقال أحدهما : لي
غلام
، وقال الآخر : لي جارية ، قال : أنكحوا الغلام بالجارية ، وأنفقوا على
أنفسكما
منه ، وتصدقا "( )
2- ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من بني إسرائيل أنه سأل رجلاً
من
بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار ، فقال : ائتني بالشهداء أشهدهم ، فقال :
كفى
بالله شهيدا ، قال : فائتني بالكفيل ، قال : كفى بالله كفيلا ، قال : صدقت
،
فدفعها إليه على أجل مسمى ، فخرج في البحر ، فقضى حاجته ، ثم التمس مركباً
يركبها ، يقدم عليه للأجل الذي أجله ، فلم يجد مركباً ، فأخذ خشبة ونقرها ،
فأدخل فيها ألف دينار ، وصحيفة منه إلى صحابه ، ثم زجج موضعها ، ثم أتى
بها
البحر ، فقال : اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلاناً ألف دينار فسألني
كفيلا ،
فقلت : كفى بالله كفيلا ، فرضي بك ، وسألني شهيداً فقلت : كفى بالله
شهيداً ،
فرضي بذلك ، وإني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر ، وإني
استودعكها ، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ، ثم انصرف ، وهو في ذلك
يلتمس
مركباً يخرج إلى بلده .
فخرج الرجل الذي كان أسلفه ، ينظر لعل مركباً قد جاء بماله ، فإذا بالخشية
التي
فيها المال ، فأخذها لأهله حطباً ، فلما نشرها وجد المال والصحيفة . ثم
أقدم
الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار ، فقال : والله ما زلت جاهداً في طلب
مركبة
لآتيك بمالك ، فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه ، قال : هل كنت بعثت إلي
شيء
؟ قال : أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه . قال : فإن
الله قد
أدى عنك الذي بعثت في الخشية ، فانصرف بالألف دينار راشداً ( )