الأخوة في الله . . أوثق عرى الإيمان ! !
جاء في الحديث الصحيح : ” أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله، و المعاداة في الله، و الحب في الله، و البغض في الله عز وجل ”
ولمّا كانت هذه العلاقة من أطهر العلاقات وأسماها وأشرفها وأزكاها في علاقات الناس جاءت توجيهات الوحي بالحفاظ على هذه الرابطة والعلاقة والبعد عن كل ما يشوبها أو يؤثر في استمرارها وبقائها
ومن تلك السياجات الوقائية . .
قول الله تعالى : ” وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً (53) ” سورة الإسراء
يقول ابن كثير – رحمه الله – : يأمر تبارك وتعالى رسوله صلى اللّه عليه وسلم أن يأمر عباد اللّه المؤمنين، أن يقولوا في مخاطبتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن، والكلمة الطيبة، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة ..
وقال القرطبي – رحمه الله – : أمر الله تعالى في هذه الآية المؤمنين فيما بينهم خاصة، بحسن الأدب وإلانة القول، وخفض الجناح وإطراح نزغات الشيطان؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: (وكونوا عباد الله إخوانا). وهذا أحسن ..
وقال ابن سعدي – رحمه الله – : والقول الحسن ، داع لكل خلق جميل ، وعمل صالح ، فإن من ملك لسانه ، ملك جميع أمره .
فيا سبحان الله كم يشتد العجب حين تتأمل أن هذه الآية إنما نزلت في عهد قوم هم أطهر الناس نفساً وأبرّها قلوباً وألينها عريكة . .
نفوس الصحابة رضوان الله عليهم خير الخلق بعد الأنبياء ، وخير أصحاب نبي على الإطلاق .
فلئن كان هؤلاء تنزّلت عليهم هذه الآيات تخاطبهم وتعلّمهم ؛ فكيف بقوم خلفوا زمانهم بعشرات القرون وحقب الزمان . . ؟!
وما يأتي من زمان إلا والذي قبله خيرا منه . . !!
واعجبي إذ يشتد عجبي وأنا أقرأ قول ابن عباس رضي الله عنهما :
وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا !!
يقول هذا في زمان قومه من خير الناس !!
واليوم وقد اشتدت غربة الإسلام . .
واشتدت معه غربة القيم والمبادئ والسلوك . .
صار حريّاً بكل عاقل منصف من نفسه . .
أن يعيد النظر في سلوكياته عامة – وخاصة فيما يتعلق بعلاقاته مع إخوانه وأحبابه -
لقد صار – بعض – الإخوان ينخرون في جدار الإخوة . .
بمخاريق ( رفع الكلفة ) !!
ومعاول ( الميانة ) !!
فلا تجدهم يرعون حق الأخ في مشاعره . .
سواء في المحافل العامة كالمجالس والمنتديات . .
أو حتى في المعاملات الخاصة عبر المحادثة والحوار والمعاشرة . .
من مظاهر ذلك :
1 – التطاول على الأخ بالثلب والتجريح ، وذكر الزلل والخطأ أمام الآخرين .إبرازاً لذاته على
حساب أخيه .
2 – تعييير الأخ بالجنس أو اللون على سبيل المزاح ،… وحجته : رفع الكلفة بين الاخوان .
وإن كانت السياسات الدولية الآن تسعى إلى تفريق المسلمين بهذه التقاسيم العرقية ،
فهذا مواطن وذاك مقيم ( أجنبي ! )
3 – رفع الصوت في الكلام والمناقشة . وسوء الأدب في التحقير والتنقيص في الحوار ، انتصاراً للنفس .
4 – اغلاق الباب أو الهاتف أو قطع المحاورة بغير مراعاة للأدب في حسن الابتداء وحسن الختام
( بحجة رفع الكلفة ) …
5 – التساهل في استخدام أغراض الأخ بغير إذن مع عدم المحافظة على ما استخدمه من التلف أو العطب ( السيارة ، الجوال ، جهاز ، ..)
6 – التسلّط على الأخ بسيف الحياء ، وإرغامه على ما لايريد من هذا الباب .
7 – عدم الستر على عيوب الأخ والتفاضح على رؤوس الناس .
إلى غير ذلك من المظاهر المحزنة المؤسفة -حقاً -والتي مآلها كما قال الله :” إن الشيطان ينزغ بينهم “!!
فمآلها إلى النزغات وسوء الظن والفرقة بين الأحباب .
وإنه حين أقول : أن رفع الكلفة لا يعني قلّة الأدب بين الإخوان . .
فإن ذلك لا يعني أنّي أفترض واقعاً مثالياً بين الإخوان . .
وأن علاقاتهم ينبغي أن تكون كعلاقة أهل الجنة على سرر متقابلين !!
لا .. ليس كذلك . .
وإلاّ لو كان هذا فما المنّة في أن يمتنّ الله على أهل الجنة بأنه ينزع الغل والحقد من صدورهم ؟!!
لكن أعني أن يكون للأحباب في الله مراجعات دوريّة للنفس في العلاقة مع الآخرين وأن يحاول المرء ما استطاع أن يحافظ على هذا الرباط وثيقاً قوياً . .
وأن لا تكون ( رفع الكلفة ) مبررة للأخطاء والإهمال والتقصير . .
بل ينبغي أن تسود بين الإخوان روح التغافر والتسامح والاعتذار . .