تدمير ضيعة ضايعة كي نتخلص من حامد فلاح نشيط .
لاشك أن "ضيعة ضايعة" جاء وبصورة مموَّهة ليعكس واقع الفلاح السوري المعاصر؛ قراه المتروكة للعدم والصدفة. العمل الذي جاهر - ومن أغنية الشارة التي أداها الفنان علي الديك- أعلن الشوق الدفين لمسقط الرأس بعد أن غُرّر بهذا الفلاح لترك محاصيله وأشجاره والذهاب إلى العاصمة للعمل في السلك وخلافه.. لاحظوا معي: أغنية حزينة لمسلسل كوميدي،
لا ليس كوميدياً على الإطلاق، بل هو صورة تسجيلية درامية عن فلاحين معزولين في قراهم البعيدة، أقصد ما تبقى من هؤلاء الذين يسكنون على أطراف المدن منذورين للبطالة الغاشمة. سنرى هنا كيف تحول هذا الفلاح إلى مسخرة بعد أن نسي أنه يملك أرضاً يمكنه زراعتها، كيف يفكر هذا الفلاح ليلاً نهاراً بتدبر قوت يومه ببعض الأعمال الحرة؛ حتى أنه في ضيعته الضائعة هذه، الواقعة بالقرب من ساحل المتوسط، لا يقوم بالصيد إلا لتزجية الوقت وقتل الملل، ولا يذهب للتخييم في غاباته الجميلة التي صارت مزاراً للسياح من المدن السورية الأخرى.
لاحظوا معي كيف أقدم المختار بيسه-زهير رمضان على عرض ابنته، في إحدى حلقات الجزء الأول، على تاجر حلبي (محمد خير جراح)، للتخلص من لقمتها ومصاهرة التجار. لا حظوا ذلك المثال عن الشاب السوري سلنغو- فادي صبيح في قرية أم الطنافس الفوقا، ألا تشبه هذه القرية ضيعة "السمرة" ذاتها التي صور فيها المخرج "الليث حجو" مسلسله الكوميدي؟ ألا يشبه ذلك الشاب شباب السمرة اللائبين على فرصة عمل واحدة؟ ألم يقم صاحب بيت أسعد- نضال سيجري في تلك القرية بزيادة أجر بيته أثناء تصوير الجزء الثاني من المسلسل.. ألم يفكر هذا الرجل تماماً كما يفكر جودة-باسم ياخور بكسب المزيد من المال بطريقةٍ أو بأخرى؟.
ثم لاحظوا تلك الترجمة في أسفل الشاشة للكلمات غير المفهومة، والتي تلمّح بلا مواربة للهجة بشر يشبهون الهنود الحمر؟ مع أنها لهجة ذات أصول آرامية. إنهم خرافيون، أغيار على نحو لا يقبل التصديق، غائبون عن كل شيء، عن التلفاز والهواتف النقالة، ومقاهي الإنترنت، مع أنهم على ساحل المتوسط!
أيضاً انتبهوا إلى علاقات المقايضة التي لا زالت موجودة في تلك البقعة من الأرض، أتساءل فعلاً كيف نسي التاريخ هذا القرية وسواها، فلم يعد بالإمكان القول إن وصول الكهرباء إلى القرى السورية جعلها تدخل التاريخ من أوسع أبوابه،
إذ ما فائدة الكهرباء هناك من غير توفير مشاريع تنموية تساعد أهل تلك المناطق على البقاء في أراضيهم الخضراء، التي تحولت إلى بقاع مهجورة بعد أن شهدت نزوحاً هائلاً في سبعينيات القرن الفائت نحو المدن. وخلاصة القول أن هذا العمل على الرغم من احتياله غير المعلن على تسجيل مقطع نادر من الحياة السورية المعاصرة بقالب كوميدي أبيض؛ إلا أنه قارَب الفانتازيا إلى حدٍ بعيد، وذلك بعد استناده المطلق على كوادر تصوير جديدة للغاية مضافاً إليها ملامح بشر تلك الأرض التي مازال أهلها يعيشون على بيض بلدي غالباً ما يقايضونه بسلعٍ أخرى. أجل المقايضة ما زالت حية ترزق هناك، ولا زال فلاحو تلك القرى الوادعة قبيل عصر الإقطاع الذي ودعه العالم منذ مئات السنين.